Monday, January 23, 2012

الدولة الفاشلة!

الدولة الفاشلة!

مصطلح الدولة الفاشلة هو مصطلح برز تداوله كثيرا في الأدبيات السياسية مؤخرا، وهو مصطلح مثير للاهتمام في تعريفاته وتطبيقاته على الأنظمة السياسية المختلفة، ويشير في مجمله للحكومات المركزية الضعيفة غير القادرة على فرض سلطاتها على مجمل أراضيها أو احتكار قوة تطبيق النظام والأمن داخل حدودها، كما يشير أيضا للاستخدام الملتو للسلطة بما يخدم تكريس نزعات شمولية غير ديمقراطية، ويشمل التعريف أيضا تلك الدول غير القادرة على البناء السليم لمؤسساتها الخدمية بما يكفل توفير الاحتياجات الأساسية العامة، كالصحة والتعليم، بما يتوافق وإمكانياتها من جهة، والمعايير الدولية لتقديم تلك الخدمات من جهة أخرى.

هل يذكركم هذ التعريف ببلد قريب منكم جدا؟ الكويت مثلا؟

حسنا، ربما لا ينطبق التعريف بكل تجلياته على واقع الدولة في الكويت، لكن حقيقة ضياع هيبة القانون وضعف الثقة في المؤسسات الحكومية عامة، والخدمية منها خاصة، وكثير من الممارسات الطارئة على المجتمع والمتمثل بعضها بمحاولات الـتأثير في جهات التعامل مع القانون والمؤسسات القضائية، قد يشير إلى قرب إعلان الكويت دولة فاشلة وفقا لكثير من المعايير الدولية.

المحير في الأمر هو أن فشل الدولة في الكويت يتم في ظل وفرة هائلة من الموارد المالية والعقول المدربة المؤهلة على أعلى المستويات، مما يجعل وضع الكويت استثنائيا في مصاف الدول المعرضة للفشل، فتلك الأخيرة غالبا ما تجنح للفشل بسبب ضعف الموارد وتواضع الامكانيات، بينما يختلف الوضع كثيرا في الكويت، مما يشير لأسباب أخرى للفشل تحتاج لتسليط الضوء عليها.

أحد أهم تلك الأسباب هو فقدان الرؤية وعدم وضوحها لدى السلطة السياسية فيما يخص مفهوم الدولة وبناءها المؤسساتي، هذا إن افترضنا وجود الكفاءات القادرة على التغيير من داخل بيت الحكم والتي نسمع عنها ولا نراها، إما بسبب ندرتها أو بسبب التركيز على عامل السن في تبوؤ المراكز العليا في السلطة، وهو عامل أثبت التجارب عدم فاعليته على أقل تقدير.

إن فقدان الرؤية يكشف عن خلل فادح في الروح القيادية للسلطة، ولهذا انعكاساته على الخطيرة على حركة التقدم في المجتمع، فإحساس الناس أنهم يسيرون على غير هدى و"عالبركة"، يقتل روح المبادرة ويخلق قدرا رهيبا من اللامبالاة التي تفسح المجال نحو الانغلاق على الهويات الصغرى من قبيلة وطائفة وعائلة وغيرها، وينعكس في التركيز على صغائر الأمور وتسيير ما هو موجود وقائم بنفس قصير وعلى مستوى "اليوم بيومه"، مما يجعل أي حديث عن خطط استراتيجية نوعا من الكوميديا السوداء لا أكثر.

إن المشكلة هي في صميم تعامل السلطة في الأساس مع مفهوم الدولة وقيم المواطنة، مما أنتج عندنا وضعا شعبيا يسيطر عليه التركيز على الحقوق ويهمل الواجبات، وتسمو فيه إلى مصاف الحكم الخالدة مقولة:

"اذا كانو يبوقون .. خلنا ناكل معاهم"!

د. سليمان ابراهيم الخضاري

كاتب وأكاديمي كويتي

Twitter: @alkhadhari

Wednesday, April 6, 2011

البحرين .. بين حقوق الانسان .. وضرورات السياسة!

ثمة تعامل غير منهجي يتلمسه الباحثون في التعاطي مع الشأن البحريني، أسهم في تشكيله جملة من المعطيات المتأثرة باعتبارات طائفية وفئوية، جعلت من التماس مع الشأن البحريني عملا محفوفا بالخوف من الاتهامات الجاهزة والتصورات المسبقة، نظرا للنجاح النسبي في تصوير القضية البحرينية وقولبتها في بعد واحد ذا صبغة مذهبية، يمس في جوهره كل مشاكلنا وتخوفاتنا من الآخر المغاير ومسبقاتنا الفكرية والسياسية.

كحال الكثير من الثورات الراهنة في عالمنا العربي، كانت التحركات الشعبية في البحرين ذات زخم قوي مدفوعة بإرث تاريخي من العلاقة المرتبكة بين شريحة واسعة من الشعب هناك وبين الأسرة الحاكمة، نتيجة شعور عارم بالغبن على المستويين المعيشي والسياسي في إطارهما الأعم، الأمر الذي تجد أوضاعا شبيهة به –بدرجات متفاوتة- في معظم دول الخليج نتيجة الانفصام العميق بين مشروعي الدولة والحكم في تلك الدول، لكن الأمر يكتسي خصوصية معينة في الواقع البحريني نتيجة للحقائق الديموغرافية على الأرض والتي تجعل من تلك البلد استثناء من قاعدة الأغلبية العددية للطائفة السنية كما الحال في بقية دول الخليج الأخرى، الأمر الذي شغل بال النخبة الحاكمة فيه في ظل وضع يشببه البعض بالهرم المقلوب من حيث توزع الثروة ومقدرات السلطة هناك.

ومن دون الخوض في تفاصيل تطور الحركة الاحتجاجية في ذلك البلد، وهو ما يستلزم بحثا آخر، الا أن المراقب لما وصلت إليه الأمور هناك في ظل حالة الاستقطاب الطائفي والمذهبي، لا يستطيع تجاهل ما أشرنا إليه في بداية هذا المقال من حضور التعاطي غير المنهجي في هذه القضية، والذي يتمثل في الخلط بين جانبين رئيسين للمشهد السياسي هناك، فمن زاوية هنالك الشق الخاص بالتصورات السياسية لطبيعة الصراع بين المعارضة والسلطة، وآليات الحراك السياسي الذي اتخذته المعارضة في الأزمة الراهنة، لكن الشق الأهم –في نظر كاتب هذه السطور- والذي يتم تجنب الخوض فيه من قبل الكثير من الباحثين في منطقتنا هو ذاك المتعلق بحقوق الانسان وما يرتبط بها من ضرورات ديمقراطية وحقوقية، يشترط تحققها في التعامل مع حركات الاحتجاج السلمي مهما جنحت لآفاق بعيدة في رفع مستوى خطابها السياسي والمطلبي.

هذا الخلط بين الشقين المذكورين للأزمة البحرينية، يقوم به العديد من مثقفينا، مدفوعين بتوجهات فئوية أو لارتباط هؤلاء بالتوجهات السياسية للنخب الحاكمة في منطقة الخليج، وفق عملية توظيف لما نعايشه من أزمة في العلاقة بين أطياف المجتمع المتعددة في بلداننا، من أجل الهروب لللأمام والقفز على أسئلة ملحة تمس واقعنا السياسي والاجتماعي وتنعكس على مجمل منظومة الفعل الأخلاقي في واقعنا المهترئ.

أسئلة من نمط: "هل تقبل كخليجي بإزاحة أسرة آل خليفة عن الحكم في البحرين" هي عين ما أشير إليه في هذا المقال، وهو السؤال الذي يتم توجيهه للكثير ممن يتناول بالنقد تلك الممارسات العنيفة للسلطة تجاه حركة الاحتجاج والاعتصام الشعبي في البحرين، لكن طارحي هذا السؤال يتجاهلون حقيقة تاريخية بسيطة وهي أن مستقبل أي سلطة حاكمة هو رهن بعلاقتها بشعبها بغض النظر أي تفصيل تنظيري مسهب في هذا المجال، وأن مسألة الحكم في البحرين هي شأن داخلي بحريني خالص لا حق لنا في تقريره نيابة عن الشعب هناك، وهذه الحقيقة يجب فصلها عن الممارسة البحثية المشروعة من أي من المختصين حول آفاق الحل الأمثل في البحرين، فمقام التحليل السياسي لا يرتبط بالضرورة بخيارات الشعوب بقدر ارتباطه بمعطيات القراءة التفسيرية لواقع المشكلة وآفاق الحلول المتاحة.

لقد ارتكبنا كعرب ومسلمين في مسيرتنا في التاريخ الحديث من الأخطاء ما يكفي، إذ أدلجنا قضايا كان بالامكان تسويقها عالميا بشكل افضل إن تم طرحها كقضايا حقوقية تمس الحاجيات الأساسية للانسان في عصرنا الحديث، هذه الحاجيات التي تشتمل على جملة الحقوق السياسية وغيرها، لكننا ركنا لما اعتدنا عليه من خطاب موجه ومتأثر بواقعنا غير المتعاف من أمراض طائفية واستبدادية وغيره، وقد آن الأوان أن نعيد صياغة منطلقاتنا المجتمعية وفق مرجعية إنسانية تؤمن بحق الانسان، أي إنسان، بالعيش الكريم والحرية، وهما الركيزتان الأساسيتان لأي عملية إصلاح سياسي أو مجتمعي قد تكتب لها النجاح في مجتمعاتنا، تلك المجتمعات التي لازال البعض فيها يرى كلمة كالحرية –ناهيك عن تطبيقاتها- مدعاة للشك العميق، وفي هذا تتساوى السلطة .. والشعوب!

Monday, December 20, 2010

دعوة للحوار .. لنا جميعا!

بينما تتسارع الأحداث على الساحة المحلية وفق رتم لم نعتد عليه في الكويت سابقا، تتم هنالك بالتوازي حالة جديدة من الحراك على أكثر من مستوى، تتمحور في الظاهر حول قضايا دستورية، لكنها تمس الكثير من الجوانب المسكوت عنها في ثقافتنا الكويتية.

ما حدث فيما يتعلق بقضية حصانة النائب المسلم، من ممارسة سياسية قصيرة النظر من الحكومة ونوابها، وما استتبعه ذلك من صدام مباشر بين قوات الأمن والجمهور، والذي لم يخل من مشاهد مقززة يندى لها الجبين كما حدث للدكتور الوسمي مثلا لا حصرا، كل هذا يخفي في طيات صخبه حقيقة الانكشاف الواضح والفرز الذي عانى منه المجتمع الكويتي عبر عقود من الممارسات السياسية الممنهجة، والتي تمت وفقا لفلسفة علاقة السلطة بمن وما يكفل لها الاستقرار آنيا، دون الأخذ بعين الاعتبار ما يشعر به المهمشون من غبن أو ظلامة تتعمق بفعل السنين، وتتحين فرصة للانتقام، وتجريع الآخرين من كأس التهميش نفسه.

في ظل هذه الضوضاء، لا يجب للمهتمين التغافل عن حقيقة الحراك المجتمعي الذي ينطلق حاليا كالمارد الذي حبس في مصباحه عقودا، ويتعلق بانفتاح الشرائح الاجتماعية في النسيج الكويتي على بعضها البعض، والتصريح، لا التلميح فقط، بما يكنه بعضنا تجاه الآخر من آراء نمطية وتصورات خاصة، بل وشكوك وتخوفات أحيانا، لا تتعلق فقط بأشكال الممارسات المجتمعية، بل بجوهر الشراكة الوطنية وحقيقة وجود حس مشترك بالانتماء لوطن يبدو أننا لا نملك حتى الآن تصورا واضحا لحقيقة كنهه وماهيته.

إن أدركنا ما سبق، فلا نستطيع حينها عزل الأحداث الأخيرة وغيرها عن سياق أعم، وجد فيه البعض شخصا مشبوها يعبر عن ما يعتمر في قلوبهم من سخط إزاء ما يراه من نزعة ترتكز على مفهموم الحمية القبلية بجناحيها الديني والمحافظ اجتماعيا، التي زحفت، وفق تفسيرهم، على جوهر الصبغة المدنية للمجتمع الكويتي، ووجدت في نفس السياق مجاميع أخرى الفرصة نفسها في شخص متطرف في إحدى الطوائف لتأكيد المحورية المذهبية لبلادهم، في ظل واقع محلي يتميز بإعادة تموضع سياسيي الطائفة الأخرى على يمين الحكم، وواقع إقليمي يشهد تعاظما متزايدا لتلك الطائفة ودورها السياسي، الأمر الذي يثير مخاوف البعض على مكاسب تاريخية ومجتمعية تم ترسيخها عبر قرون من تهميش الآخر والنظر له بعين الشك والمواطنة من الدرجة الثانية.

كل هذا، إن تم استيعابه، يجب أن يدفع الباحث إلى التطرق إلى أصل المشكلة، والتي تتمثل في ضعف التواصل الفاعل بين الشرائح المختلفة من أجل التوصل لصيغة شراكة وطنية حقيقية تدفع الجميع للتوجه نحو بناء وطن يشعر فيه أبناؤه، بغض النظر عن انتماءاتهم المختلفة، بروح المواطنة، والتي هي حجر الأساس في أي عملية تنموية حقيقية تهدف لتوجيه الجهود نحو البناء وتحصين الجبهة الداخلية من آثار الأعاصير الاقليمية وتقلبات السياسة العالمية وأخطارها، فالقضية هنا أكبر من حصانة النائب المسلم، بل هي أكبر من الدستور نفسه، والذي هو ضمانة لا غنى عنها لتحقيق الغايات الكبرى، والتي تنطلق من مفهوم السلم المجتمعي ومرتكزاته.

من هذه الحقيقة ننطلق، وإليها نتجه في جهودنا للمساهمة في الدعوة لحوارات فاعلة و"حقيقية"، و"مؤلمة" أحيانا، بين الشرائح الاجتماعية المختلفة، وفق منهجية تهدف لخلق ثقافة جديدة تشكل ضغطا سياسيا وأدبيا كبيرا على سياسيينا يحولهم إلى ممثلين للكويت كلها، بسنتها وشيعتها، وحضرها وبدوها، عندئذ لا يتجرأ نائب في الدائرة الأولى على التحريض على جماهير الدائرة ذات الكثافة القبلية، أو نائب سلفي على التحريض على أماكن العبادة عند طائفة بعينها.

أيها السادة ..

الكويت للكويتيين، كل الكويتيين، والمستقبل في هذا البلد سنتقاسمه جميعا، بحلوه ومره، وبغير إدراك لهذه الحقيقة سندور في حلقة مفرغة من المهاترات والتجاذبات، وربما أكثر من ذلك، إن لم نع أن التاريخ وحركته لم يتوقفان عند خلافات عمرها مئات السنين، لازال بعضنا يعتاش عليها، ويجد فيها غايته لتنصيب نفسه زعيما على أجسادنا المتهالكة، وعقولنا المنهكة!

Sunday, September 20, 2009

الشيعة .. المواطنة ... وتعديل المناهج !


الشيعة .. المواطنة ... وتعديل المناهج !
من منكم يذكر قضية معبد السيخ في الكويت؟
قد يبدو السؤال غريبا بعض الشيء، لكنني أدعي أنه مدخل جيد للتعامل مع المتغيرات المستجدة على واقع الطائفة الشيعية في الكويت.
الموضوع باختصار يتلخص في رغبة أبناء الديانة السيخية من الوافدين في استئجار أحد الأدوار في منطقة سلوى لاستخدامه في إقامة شعائرهم الخاصة، الأمر الذي أثار حفيظة المتشددين باعتبار عدم جواز هذا الأمر دينيا –حسبهم-، ولا أدري شخصيا علام انتهى الأمر، إلا أن الملفت حينها كان توافق رأي هؤلاء المتشديين مع رأي السيد المهري، إذ "أفتى" سماحته ب"هدم" معبد السيخ ذاك موضحا بأنه "على أولياء الأمور و المسؤولين منع الكفار و المشركين من تبليغ مذاهبهم الفاسدة و نشر ثقافتهم المعادية للإسلام و ترويج كتبهم الفاسدة و نشر ثقافتهم المعادية للإسلام " .
عندها، لم تكن المسألة بالنسبة للأخ المذكور أعلاه متعلقة بحقوق دستورية كفلت للمواطن وغيره، ولم تكن سمعة الدولة وجوهرها المدني المتسامح –أو هكذا يفترض- مسألة أصيلة، فالموضوع أولا وأخيرا ذو بعد فقهي محض يتطلب استدعاء أعلى درجات التحريض المتمثل في الحض على "هدم" ذلك المعبد، مبررا ذلك بأنه "لا قيمة واقعاً و فطرياً لإنسان بعيد عن الله و يعبد أصناماً صنعها هو بيده فيتعامل مع هذا الإنسان معاملة خاصة و يمنع عن اقامة شعائرهم الباطلة المنحرفة المفعمة بالشرك و الضلال و الكفر و الالحاد".
ومن دون الخوض في تفاصيل الرد على هذا الموقف غير المتسامح في التعامل مع الآخر غير المسلم وسلبه كل قيمة "واقعية وفطرية"، إلا أن اللغة المستخدمة في إبداء الرأي آنف الذكر وجملة الدوافع التي يسوقها "سيدنا" الجليل لا تكاد تتمايز عن اللغة التي يستخدمها خصوم الشيعة في التحريض عليهم والدفع بحرمة تخصيص دور للعبادة والطقوس الدينية لهم، الأمر الذي يلقي بعض الضوء على الديناميكية التي يتحرك ضمن إطارها ذلك المنظور المهووس بالآخر المخالف باعتباره خطرا يتهدد وحة الأمة وعقيدتها.
المثير للاهتمام هنا، فيما يخص واقعنا الحالي، هو ذلك التبدل في الدفوعات والحجج التي يسوقها بعض الشيعة –ومنهم صاحبنا إياه-، في ظل اللحظة الاقليمية الراهنة، لرفع سقف المطالب الخاصة بالطائفة، مستفيدين من عملية إعادة السلطة لتقييم تحالفاتها، لجهة إعادة تحديد موازين القوى، ظنا منهم أنها الفرصة المناسبة تاريخيا، والتي من الممكن ألا تتكرر بنفس الزخم والمواءمة سياسيا واجتماعيا.
تسهل ملاحظة هذا التبدل في "اللغة" من خلال تتبع تصريحات ومطالبات و"فاكسات" البعض التي تستدعي جملة من المفردات الجذابة المتعلقة بالمواطنة والمساواة والحقوق الدستورية، وأن الكويت "بلد متسامح"، وأن الممارسة الدينية تعتبر من أبسط حقوق الأفراد، وغيرها، كل هذا يتم وفق استدعاء لغة لا تخلو من الرعونة أحيانا لا تتورع عن وصم الجماعات الاسلامية السنية ورموزها التاريخية بالتطرف والتشدد، وفق منهجية تتميز بالتصعيد الاعلامي أساسا وتكاد تخلو من أي نزعة توفيقية تسعى لبناء جسور الثقة بين الطرفين.
في ظل هذا كله، تأتي المطالبة الأخيرة لبعض النواب والفعاليات الشيعية لتعديل مناهج التربية الاسلامية لجهة حذف ما يتعرض منها لعقائد الشيعة وممارساتهم، كزيارة القبور وغيرها، إذ يتذرع هؤلاء بتعارض هذه المناهج مع مبادئ التعايش السلمي بين الأديان والطوائف تحت سقف المواطنة، وتشجيع نزعة الكراهية لاعتبارات دينية وطائفية تتعارض مع ما جبل عليه أفراد المجتمع الكويتي تاريخيا.
ومع إقرارنا بأن المناهج الدراسية، وخاصة في مايخص مادة التربية الاسلامية، تحتوي على ما يثير الضغائن ولا يساعد بالتأكيد على نشر ثقافة التسامح والتعايش، إلا أنه من الصعوبة بمكان أن نؤمن أن الدافع الرئيسي وراء هذه المطالبات يرتكز على قراءة حضارية وشاملة ترمي لإعادة صياغة عقول النشأ في الكويت على قيم المحبة والعدل والمساواة.
إن أخطر ما يقوم به هؤلاء هو انتهاز اللحظة الزمنية المواتية للدفع بمطالب تهدف لإعادة تأسيس العلاقة بين الطوائف في الكويت باتجاه يخدم مصلحة طرف على آخر، الأمر الذي يقفز على واقع البلاد ثقافيا وفكريا ولاينتج عنه سوى إعادة تموضع تنتظر ظرفا تاريخيا مغايرا يرجع بها إلى خط الصفر.
نعم نحن نؤيد تعديل المناهج، بل وغربلتها، لا باتجاه خدمة طائفة، بل لجهة التأسيس لجيل جديد، جيل يؤمن بحقوق الجميع، سنة وشيعة ومسيحيين وحتى سيخا، جيل يستطيع قيادة البلد بقدر عال من التسامح وقبول الآخر، منطلقا من أسس ثقافية راسخة، لا تتغير بتغير الظرف الزمني وتداعياته.

Saturday, September 8, 2007

للخطايا ثمن ... وعقلية الأقلية

للخطايا ثمن ... وعقلية الأقلية!

د. سليمان الخضاري

Alkhodhary@yahoo.com

هل أتاك حديث الأقليات في عالمنا العربي والاسلامي؟

إن كانت الاجابة بلا ... فهلم إلى هذا "الحدث" النوعي في سياق الدراما الخليجية والذي تجسد الضجة حوله مثالا جيدا لمقاربة الديناميكيات النفسية التي تميز ما يمكن تسميته بعقلية الأقلية..

لاحظ عزيزي القارئ أننا نتحدث هنا عن "عقلية الأقلية" .. وليس عن الأقلية نفسها!

مسلسل درامي يشاع أنه سيتعرض بوضوح لقضية زواج المتعة عند الطائفة الشيعية، وكيف يتم استغلاله من قبل البعض في ممارسة تخرج به من مصاديقه ومقاصده الفقهية إلى دائرة التربح المادي، مما يضيق من المساحات الفاصلة بينه وبين العلاقات الجنسية غير المقرة من قبل الدوائر الدينية الجعفرية.

وبمجرد أن انتشر هذا ال"نبأ العظيم" ... وإذا بالدوائر الشيعية على تنوعها، تعلن حالة استنفار عام، وتصدر حكمها بضرورة منع هذا العمل من البث والتداول، بحجة مكررة مفادها تهديد هذا العمل الفني للسلم المجتمعي من خلال إثارة النعرات الطائفية وتشويه الصورة الناصعة لأبناء الطائفة الشيعية، وإلقاء الشبهات حول طريقة ممارسة هذا النوع من العلاقات البشرية المقبولة وفقا للمشهور من الفقه الجعفري.

لا أدري لم تذكرت الآن تلك الضجة الشبيهة التي أثارتها الدوائر الشيعية أيضا، رفضا لتناول إحدى الصحف اليومية لخلاف حول أحد المساجد في الكويت، وتنازع فريقين من الطائفة أحقية إدارة ذلك المسجد وتعيين إمامه، على اعتبار أن ذلك "أمر داخلي" وليس من حق أحد أن يطلع أو يتناول قضية الخلاف ذاك غير أبناء الطائفة أنفسهم وفي أضيق نطاق ممكن!

السؤال المنطقي هنا هو... لم كل هذا الهلع؟

حسنا، فالإجابة هي أيضا منطقية ... وتجدونها في عقلية الأقلية!

فعقلية الأقلية هي تلك الحالة النفسية المسكونة بتعريف الذات من خلال التشبذ بما يميزها عن باقي مكونات النسيج الاجتماعي في بقعة جغرافية معينة، مستلهمة كل النزاعات التاريخية التي أفضت إلى نوع من القهر والإضطهاد ضد أعضاء هذه الجماعة البشرية، ومتوجسة خيفة من أي "دخيل" يحاول زعزعة ما ركنت إليه هذه الجماعة نفسيا من "ثوابت" قد تكون اكتسبت قدرا عاليا من التقدير والالتزام، بفعل عوامل متنوعة.

وبما أن عقلية الأقلية تجنح إلى ربط بقاء ووجود هذه الأقلية عبر التاريخ بالالتزام بما يميزها عن غيرها من التجمعات البشرية، فإنه من المفهوم أن تضرب حول ذلك العنصر المميز لها سياجا شائكا يعيق محاولة المساس به من الآخرين، بل ومن قبل بعض أبناء الأقلية أنفسهم، باعتباره شأنا داخليا، حتى لوكانت المقاربة تلك لا تتعلق بجوهر ذلك العنصر المميز بل بتمظهراته وتطبيقاته المتنوعة، وانعكاساته على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الانساني العام.

وعليه، فإن مطالبة بعض الشيعة بعدم التطرق ل"شؤونهم" الداخلية، والذي يتطابق مثلا مع مطالبة الأقباط في مصر بعدم خوض ال"عامة" من غير الأقباط في تفاصيل الخلاف الحاصل حاليا حول الصراع على الكرسي البابوي في ضوء الحالة الصحية للبابا شنودة، لا يعدو محاولة هؤلاء البعض لحماية السبب الرئيس والمساحة الأكبر لتمايزهم عن الآخرين، والذي يجب أن يكون، حسبهم، مجالا لممارسة سلطتهم الخاصة التي لا مكان لللأكثرية العددية الممايزة للتدخل فيها.

لكن الجانب السلبي في دعاوى الحفاظ على الخصوصية تلك، هو في اعطاء انطباع خاطئ للآخر الممايز، بأن الأقلية هي ذات لون واحد، ورأي واحد، وتوجه واحد، تجاه القضايا الخلافية، مما يحرم الأقلية من تبيان التنوع الثري داخلها تجاه تلك القضايا، ويعكس للآخرين صورة وهمية من الانصهار المطلق والانكفاء التام للأقليات على موروثها.

إنني في هذه العجالة، لا أرمي لتقديم رؤية فنية لذلك المسلسل الرمضاني، فهذا يستدعي قدرات نقدية لا أدعيها -فضلا عن أنني لم أشاهده حتى الآن!- ولكني أعبر هنا عن ترحيبي الشخصي بتناول علني للأمور التي جرى العرف على عدم التطرق لها بدعوى الخصوصية، فالمجتمع الصحي هو ذاك المبني على أسس واضحة من الشفافية والمكاشفة، مما يؤدي إلى زرع جو من الثقة يمكن من تعزيز الهوية الوطنية، بعيدا عن ال"هويات الجزئية" .. وعقلياتها!

Saturday, September 1, 2007

حول المهري وخصومه ..وقضية قانون الزكاة!

هل نحن بحاجة للتأكيد على عدم استهدافنا فريضة الزكاة عند الحديث عن قانون الزكاة.. وهل نحن بحاجة للتأكيد على أن السيد المهري لا يمثل الشيعة .. بل ولا حتى أغلبيتهم؟
يبدو أن الإجابة على كلى التساؤلين هي بالإيجاب للأسف.. في وسط حالة من التشنج تسيطر على الوضع العام في المنطقة ككل.. وما يستتبعه ذلك من انعكاس على الواقع المحلي..
شخصيا، لا أنطلق في تناولي لقضايا الشأن العام من منطلقات دينية أو مذهبية، ولعل هذا يدفعني لمقاربة قضية قانون الزكاة من زاوية مختلفة، أدعي أنها تستلهم الفكر المدني بانعكاساته على العمل التشريعي في دولة الكويت، ولا يهمني في هذا الخصوص الآثار المترتبة لقانون الزكاة على أتباع الطائفة الشيعية بالتحديد، بل على الكويت الوطن، وخيارات المستقبل.
بغض النظر عن نوعية مشاريع القوانين التي تعرض على مجلس الأمة، فمجرد طرح أي مشروع قانون يعني أن المسألة تخضع لقواعد اللعبة السياسية، من نقاش ومجاميع ضغط وعملية تصويت، وهذا يعني من حيث المبدأ إمكانية الموافقة والرفض للمشروع موضوع البحث، الأمر الذي يترتب عليه إمكانية العمل على تغيير هذا القانون نفسه وبالوسائل الديمقراطية نفسها من قبل من يختلف معه، مما يؤسس لحقيقة أن لا قدسية لقانون معين أيا كان، نظرا لإمكانية بحثه وتداوله والتصويت عليه، وحتى تعديله وإلغائه، من قبل أعضاء السلطة التشريعية، بشرط الاستظلال بمظلة الدستور،والذي يشكل المرجعية التي تحدد السقف التشريعي لمشاريع القوانين المتنوعة.
أسجل هنا ملاحظتين مبدئيتين، أولاهما أنني هنا لا أتحدث عن المرجعيات الفكرية الدافعة للتحرك باتجاه إقرار هذا القانون أو ذاك، والتي قد تكون دينية او غيرها، والثانية أن تحقق الممارسة التشريعية لا يعني بالضرورة أن مخرجات هذه الممارسة تدفع في الاتجاه الحداثي والمدني، فكم من قوانين سنت للتضييق على الحريات العامة وحرية النشر والبحث العلمي وغيرها.
هذه المقدمة الطويلة أراها ضرورية لإرجاع أتباع التيار الديني إلى رشدهم في ما يتعلق بأطروحات أنصار التيار الليبرالي الخاصة بضرورة إلغاء أو تعديل قانون الزكاة، فالبروباجاندا الدينية تروج لمحظورية المساس بالقانون المذكور، باعتباره يتعلق بفرض إسلامي لا يتبدل بتغير الظرف والمكان، متناسين حقيقة أن المسألة لا تتعلق بأصل الفرض بل في تفاصيل تحصيله، والزج بالدولة كطرف يمارس رقابة دينية ممأسسة للالتزام العقائدي، هذا إن تغاضينا عن أن النسبة المحصلة في القانون المذكور (1%) لا علاقة لها بالنص الشرعي والمقدار المتفق عليه للزكاة!
إن مجرد إقرار مشروع الزكاة بقانون يعني بوضوح أن احتمال تغييره وإلغائه بقانون أيضا هو أمر مباح دستوريا، وممكن نظريا، وقابل للتحقيق عمليا، تبعا لتغير الظروف والقناعات، وإلا فإن إقرار قانون تسبغ عليه سبغة القداسة، وإسقاط من يحاول المساس به أخلاقيا هو أمر يتنافى مع القواعد الدستورية وأبسط أصول العملية الديمقراطية، وبذا يكون التساؤل المشروع هو لماذا تم طرح الموضوع للتصويت من الأساس إذا كانت الموافقة عليه واجبا دينيا، وحتما عينيا؟!
بلغة بسيطة ومفهومة، فإنني أرفض فرض الزكاة على المواطنين بقوة القانون، تماما بنفس المنطلقات التي أرفض انطلاقا منها فرض الخمس على المواطنين في جمهورية ايران الاسلامية، وفرض النقاب على النساء في دولة طالبان الاسلامية، فالتدخل في أبسط حقوق الفرد والمتعلقة باختيار طبيعة وحدود الممارسة الروحية الخاصة به يترتب عليه آثار وخيمة ليس أهونها تحول الطقوس الدينية الخاصة بتنمية الجانب الروحي للانسان إلى واجب يؤديه المواطن تلقائيا للحظوة بلقب المواطن الصالح من قبل المؤسسات الرسمية.
أما الصراع بين السيد المهري وخصومه من السادة أعضاء مجلس الأمة فلا يعنينا في شيء..تماما كما قد لا تعني منطلقاتنا شيئا لكلى الطرفين!

Wednesday, August 29, 2007

حول التيارات الدينية وانتصارات حزب العدالة والتنميم

لا يزال الخطاب الاعلامي للحركات الدينية يتسم بقدر كبير من التعميم المخل، ولا أدل على ذلك من تعامل الكتاب الدينيين مع انتصارات حزب العدالة والتنمية التركي، والتي توجت بفوز مرشحهم السيد عبدالله غول بمنصب الرئاسة في الجمهورية العلمانية التليدة.
فهؤلاء الكتاب لم يوفروا مداد أقلامهم في كيل الثناء والمديح، وتبيان مشاعر الفرح الشديد تجاه هذه التطورات، مستدلين في ذلك على أصالة طرحهم الديني، وعلى عودة تركيا إلى الحظيرة الاسلامية بعد عقود من التغريب، مما يستتبع بالضرورة ضرورة انعكاس هذا النصر "الاسلامي" على الواقع المحلي في بقية الدول الاسلامية.
إلا أن الثابت في ما يتعلق بحزب العدالة والتنمية ،بعيدا عن أوهام الكتاب الدينيين، هو أن الحزب هو حزب علماني يؤمن بفصل الدين عن الدولة، إلا أن له مفهومه الخاص للعلمانية لا يعادي الالتزام الديني وتمظهراته على المستوى الشخصي والاجتماعي، وهو مفهوم يختلف عن العلمانية المتوحشة التي فرضت على المجتمع بقوة العسكر وكرد فعل على تجربة الأتراك مع دولة الخلافة الاسلامية.
وإذا تجاوزنا جدلا صحة الادعاءات المرسلة من قبل بعض الدينيين بأن حزب العدالة والتنمية هو حزب ديني، وأنه يتبنى استراتيجية طويلة الأمد، يمكن وصفها بالتقية السياسية، تهدف لتقويض النظام العلماني التركي "من الداخل"، فإن العديد من الأسئلة تبقى في حاجة ملحة للإجابة، أهمها يتعلق في مصداقية الخطاب الاعلامي للحركات السياسية الدينية، وهل نستطيع الوثوق بما يطرحه الدينييون حول مفاهيم حديثه تتعلق بحقوق الانسان والديمقراطية والدولة المدنية وغيرها، خصوصا إذا كانت هذه الحركات تتبنى نهجين سياسيين، أحدهما مرحلي انتقالي، وآخر دائم قد يختلف كليا مع سابقه، تماما كما هي الصورة التي يسوقها هؤلاء الكتاب الدينيين عن حزب العدالة والتنمية "الاسلامي"..!
اللافت للنظر أن هؤلاء الكتاب يستمرون في خطابهم الموحي للقارئ أنهم يتكلمون عن الشيء نفسه عندما يتكلمون عن مفردة "الاسلامي" في إشارة لتجمعات وأحزاب وتوجهات تختلف كثيرا، وتتناقض في أحايين أكثر، فهل يستوي وضع القاعدة والاخوان المسلمين و الاتجاهات السلفية بتنوعها و"حزب العدالة والتنمية" .. في سلة واحدة؟!
ولازلنا ننتظر الاجابة عن أي اسلام يتحدثون..!

تحياتي

د. سليمان الخضاري
كندا