Saturday, September 8, 2007

للخطايا ثمن ... وعقلية الأقلية

للخطايا ثمن ... وعقلية الأقلية!

د. سليمان الخضاري

Alkhodhary@yahoo.com

هل أتاك حديث الأقليات في عالمنا العربي والاسلامي؟

إن كانت الاجابة بلا ... فهلم إلى هذا "الحدث" النوعي في سياق الدراما الخليجية والذي تجسد الضجة حوله مثالا جيدا لمقاربة الديناميكيات النفسية التي تميز ما يمكن تسميته بعقلية الأقلية..

لاحظ عزيزي القارئ أننا نتحدث هنا عن "عقلية الأقلية" .. وليس عن الأقلية نفسها!

مسلسل درامي يشاع أنه سيتعرض بوضوح لقضية زواج المتعة عند الطائفة الشيعية، وكيف يتم استغلاله من قبل البعض في ممارسة تخرج به من مصاديقه ومقاصده الفقهية إلى دائرة التربح المادي، مما يضيق من المساحات الفاصلة بينه وبين العلاقات الجنسية غير المقرة من قبل الدوائر الدينية الجعفرية.

وبمجرد أن انتشر هذا ال"نبأ العظيم" ... وإذا بالدوائر الشيعية على تنوعها، تعلن حالة استنفار عام، وتصدر حكمها بضرورة منع هذا العمل من البث والتداول، بحجة مكررة مفادها تهديد هذا العمل الفني للسلم المجتمعي من خلال إثارة النعرات الطائفية وتشويه الصورة الناصعة لأبناء الطائفة الشيعية، وإلقاء الشبهات حول طريقة ممارسة هذا النوع من العلاقات البشرية المقبولة وفقا للمشهور من الفقه الجعفري.

لا أدري لم تذكرت الآن تلك الضجة الشبيهة التي أثارتها الدوائر الشيعية أيضا، رفضا لتناول إحدى الصحف اليومية لخلاف حول أحد المساجد في الكويت، وتنازع فريقين من الطائفة أحقية إدارة ذلك المسجد وتعيين إمامه، على اعتبار أن ذلك "أمر داخلي" وليس من حق أحد أن يطلع أو يتناول قضية الخلاف ذاك غير أبناء الطائفة أنفسهم وفي أضيق نطاق ممكن!

السؤال المنطقي هنا هو... لم كل هذا الهلع؟

حسنا، فالإجابة هي أيضا منطقية ... وتجدونها في عقلية الأقلية!

فعقلية الأقلية هي تلك الحالة النفسية المسكونة بتعريف الذات من خلال التشبذ بما يميزها عن باقي مكونات النسيج الاجتماعي في بقعة جغرافية معينة، مستلهمة كل النزاعات التاريخية التي أفضت إلى نوع من القهر والإضطهاد ضد أعضاء هذه الجماعة البشرية، ومتوجسة خيفة من أي "دخيل" يحاول زعزعة ما ركنت إليه هذه الجماعة نفسيا من "ثوابت" قد تكون اكتسبت قدرا عاليا من التقدير والالتزام، بفعل عوامل متنوعة.

وبما أن عقلية الأقلية تجنح إلى ربط بقاء ووجود هذه الأقلية عبر التاريخ بالالتزام بما يميزها عن غيرها من التجمعات البشرية، فإنه من المفهوم أن تضرب حول ذلك العنصر المميز لها سياجا شائكا يعيق محاولة المساس به من الآخرين، بل ومن قبل بعض أبناء الأقلية أنفسهم، باعتباره شأنا داخليا، حتى لوكانت المقاربة تلك لا تتعلق بجوهر ذلك العنصر المميز بل بتمظهراته وتطبيقاته المتنوعة، وانعكاساته على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الانساني العام.

وعليه، فإن مطالبة بعض الشيعة بعدم التطرق ل"شؤونهم" الداخلية، والذي يتطابق مثلا مع مطالبة الأقباط في مصر بعدم خوض ال"عامة" من غير الأقباط في تفاصيل الخلاف الحاصل حاليا حول الصراع على الكرسي البابوي في ضوء الحالة الصحية للبابا شنودة، لا يعدو محاولة هؤلاء البعض لحماية السبب الرئيس والمساحة الأكبر لتمايزهم عن الآخرين، والذي يجب أن يكون، حسبهم، مجالا لممارسة سلطتهم الخاصة التي لا مكان لللأكثرية العددية الممايزة للتدخل فيها.

لكن الجانب السلبي في دعاوى الحفاظ على الخصوصية تلك، هو في اعطاء انطباع خاطئ للآخر الممايز، بأن الأقلية هي ذات لون واحد، ورأي واحد، وتوجه واحد، تجاه القضايا الخلافية، مما يحرم الأقلية من تبيان التنوع الثري داخلها تجاه تلك القضايا، ويعكس للآخرين صورة وهمية من الانصهار المطلق والانكفاء التام للأقليات على موروثها.

إنني في هذه العجالة، لا أرمي لتقديم رؤية فنية لذلك المسلسل الرمضاني، فهذا يستدعي قدرات نقدية لا أدعيها -فضلا عن أنني لم أشاهده حتى الآن!- ولكني أعبر هنا عن ترحيبي الشخصي بتناول علني للأمور التي جرى العرف على عدم التطرق لها بدعوى الخصوصية، فالمجتمع الصحي هو ذاك المبني على أسس واضحة من الشفافية والمكاشفة، مما يؤدي إلى زرع جو من الثقة يمكن من تعزيز الهوية الوطنية، بعيدا عن ال"هويات الجزئية" .. وعقلياتها!

Saturday, September 1, 2007

حول المهري وخصومه ..وقضية قانون الزكاة!

هل نحن بحاجة للتأكيد على عدم استهدافنا فريضة الزكاة عند الحديث عن قانون الزكاة.. وهل نحن بحاجة للتأكيد على أن السيد المهري لا يمثل الشيعة .. بل ولا حتى أغلبيتهم؟
يبدو أن الإجابة على كلى التساؤلين هي بالإيجاب للأسف.. في وسط حالة من التشنج تسيطر على الوضع العام في المنطقة ككل.. وما يستتبعه ذلك من انعكاس على الواقع المحلي..
شخصيا، لا أنطلق في تناولي لقضايا الشأن العام من منطلقات دينية أو مذهبية، ولعل هذا يدفعني لمقاربة قضية قانون الزكاة من زاوية مختلفة، أدعي أنها تستلهم الفكر المدني بانعكاساته على العمل التشريعي في دولة الكويت، ولا يهمني في هذا الخصوص الآثار المترتبة لقانون الزكاة على أتباع الطائفة الشيعية بالتحديد، بل على الكويت الوطن، وخيارات المستقبل.
بغض النظر عن نوعية مشاريع القوانين التي تعرض على مجلس الأمة، فمجرد طرح أي مشروع قانون يعني أن المسألة تخضع لقواعد اللعبة السياسية، من نقاش ومجاميع ضغط وعملية تصويت، وهذا يعني من حيث المبدأ إمكانية الموافقة والرفض للمشروع موضوع البحث، الأمر الذي يترتب عليه إمكانية العمل على تغيير هذا القانون نفسه وبالوسائل الديمقراطية نفسها من قبل من يختلف معه، مما يؤسس لحقيقة أن لا قدسية لقانون معين أيا كان، نظرا لإمكانية بحثه وتداوله والتصويت عليه، وحتى تعديله وإلغائه، من قبل أعضاء السلطة التشريعية، بشرط الاستظلال بمظلة الدستور،والذي يشكل المرجعية التي تحدد السقف التشريعي لمشاريع القوانين المتنوعة.
أسجل هنا ملاحظتين مبدئيتين، أولاهما أنني هنا لا أتحدث عن المرجعيات الفكرية الدافعة للتحرك باتجاه إقرار هذا القانون أو ذاك، والتي قد تكون دينية او غيرها، والثانية أن تحقق الممارسة التشريعية لا يعني بالضرورة أن مخرجات هذه الممارسة تدفع في الاتجاه الحداثي والمدني، فكم من قوانين سنت للتضييق على الحريات العامة وحرية النشر والبحث العلمي وغيرها.
هذه المقدمة الطويلة أراها ضرورية لإرجاع أتباع التيار الديني إلى رشدهم في ما يتعلق بأطروحات أنصار التيار الليبرالي الخاصة بضرورة إلغاء أو تعديل قانون الزكاة، فالبروباجاندا الدينية تروج لمحظورية المساس بالقانون المذكور، باعتباره يتعلق بفرض إسلامي لا يتبدل بتغير الظرف والمكان، متناسين حقيقة أن المسألة لا تتعلق بأصل الفرض بل في تفاصيل تحصيله، والزج بالدولة كطرف يمارس رقابة دينية ممأسسة للالتزام العقائدي، هذا إن تغاضينا عن أن النسبة المحصلة في القانون المذكور (1%) لا علاقة لها بالنص الشرعي والمقدار المتفق عليه للزكاة!
إن مجرد إقرار مشروع الزكاة بقانون يعني بوضوح أن احتمال تغييره وإلغائه بقانون أيضا هو أمر مباح دستوريا، وممكن نظريا، وقابل للتحقيق عمليا، تبعا لتغير الظروف والقناعات، وإلا فإن إقرار قانون تسبغ عليه سبغة القداسة، وإسقاط من يحاول المساس به أخلاقيا هو أمر يتنافى مع القواعد الدستورية وأبسط أصول العملية الديمقراطية، وبذا يكون التساؤل المشروع هو لماذا تم طرح الموضوع للتصويت من الأساس إذا كانت الموافقة عليه واجبا دينيا، وحتما عينيا؟!
بلغة بسيطة ومفهومة، فإنني أرفض فرض الزكاة على المواطنين بقوة القانون، تماما بنفس المنطلقات التي أرفض انطلاقا منها فرض الخمس على المواطنين في جمهورية ايران الاسلامية، وفرض النقاب على النساء في دولة طالبان الاسلامية، فالتدخل في أبسط حقوق الفرد والمتعلقة باختيار طبيعة وحدود الممارسة الروحية الخاصة به يترتب عليه آثار وخيمة ليس أهونها تحول الطقوس الدينية الخاصة بتنمية الجانب الروحي للانسان إلى واجب يؤديه المواطن تلقائيا للحظوة بلقب المواطن الصالح من قبل المؤسسات الرسمية.
أما الصراع بين السيد المهري وخصومه من السادة أعضاء مجلس الأمة فلا يعنينا في شيء..تماما كما قد لا تعني منطلقاتنا شيئا لكلى الطرفين!