للخطايا ثمن ... وعقلية الأقلية!
د. سليمان الخضاري
Alkhodhary@yahoo.com
هل أتاك حديث الأقليات في عالمنا العربي والاسلامي؟
إن كانت الاجابة بلا ... فهلم إلى هذا "الحدث" النوعي في سياق الدراما الخليجية والذي تجسد الضجة حوله مثالا جيدا لمقاربة الديناميكيات النفسية التي تميز ما يمكن تسميته بعقلية الأقلية..
لاحظ عزيزي القارئ أننا نتحدث هنا عن "عقلية الأقلية" .. وليس عن الأقلية نفسها!
مسلسل درامي يشاع أنه سيتعرض بوضوح لقضية زواج المتعة عند الطائفة الشيعية، وكيف يتم استغلاله من قبل البعض في ممارسة تخرج به من مصاديقه ومقاصده الفقهية إلى دائرة التربح المادي، مما يضيق من المساحات الفاصلة بينه وبين العلاقات الجنسية غير المقرة من قبل الدوائر الدينية الجعفرية.
وبمجرد أن انتشر هذا ال"نبأ العظيم" ... وإذا بالدوائر الشيعية على تنوعها، تعلن حالة استنفار عام، وتصدر حكمها بضرورة منع هذا العمل من البث والتداول، بحجة مكررة مفادها تهديد هذا العمل الفني للسلم المجتمعي من خلال إثارة النعرات الطائفية وتشويه الصورة الناصعة لأبناء الطائفة الشيعية، وإلقاء الشبهات حول طريقة ممارسة هذا النوع من العلاقات البشرية المقبولة وفقا للمشهور من الفقه الجعفري.
لا أدري لم تذكرت الآن تلك الضجة الشبيهة التي أثارتها الدوائر الشيعية أيضا، رفضا لتناول إحدى الصحف اليومية لخلاف حول أحد المساجد في الكويت، وتنازع فريقين من الطائفة أحقية إدارة ذلك المسجد وتعيين إمامه، على اعتبار أن ذلك "أمر داخلي" وليس من حق أحد أن يطلع أو يتناول قضية الخلاف ذاك غير أبناء الطائفة أنفسهم وفي أضيق نطاق ممكن!
السؤال المنطقي هنا هو... لم كل هذا الهلع؟
حسنا، فالإجابة هي أيضا منطقية ... وتجدونها في عقلية الأقلية!
فعقلية الأقلية هي تلك الحالة النفسية المسكونة بتعريف الذات من خلال التشبذ بما يميزها عن باقي مكونات النسيج الاجتماعي في بقعة جغرافية معينة، مستلهمة كل النزاعات التاريخية التي أفضت إلى نوع من القهر والإضطهاد ضد أعضاء هذه الجماعة البشرية، ومتوجسة خيفة من أي "دخيل" يحاول زعزعة ما ركنت إليه هذه الجماعة نفسيا من "ثوابت" قد تكون اكتسبت قدرا عاليا من التقدير والالتزام، بفعل عوامل متنوعة.
وبما أن عقلية الأقلية تجنح إلى ربط بقاء ووجود هذه الأقلية عبر التاريخ بالالتزام بما يميزها عن غيرها من التجمعات البشرية، فإنه من المفهوم أن تضرب حول ذلك العنصر المميز لها سياجا شائكا يعيق محاولة المساس به من الآخرين، بل ومن قبل بعض أبناء الأقلية أنفسهم، باعتباره شأنا داخليا، حتى لوكانت المقاربة تلك لا تتعلق بجوهر ذلك العنصر المميز بل بتمظهراته وتطبيقاته المتنوعة، وانعكاساته على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الانساني العام.
وعليه، فإن مطالبة بعض الشيعة بعدم التطرق ل"شؤونهم" الداخلية، والذي يتطابق مثلا مع مطالبة الأقباط في مصر بعدم خوض ال"عامة" من غير الأقباط في تفاصيل الخلاف الحاصل حاليا حول الصراع على الكرسي البابوي في ضوء الحالة الصحية للبابا شنودة، لا يعدو محاولة هؤلاء البعض لحماية السبب الرئيس والمساحة الأكبر لتمايزهم عن الآخرين، والذي يجب أن يكون، حسبهم، مجالا لممارسة سلطتهم الخاصة التي لا مكان لللأكثرية العددية الممايزة للتدخل فيها.
لكن الجانب السلبي في دعاوى الحفاظ على الخصوصية تلك، هو في اعطاء انطباع خاطئ للآخر الممايز، بأن الأقلية هي ذات لون واحد، ورأي واحد، وتوجه واحد، تجاه القضايا الخلافية، مما يحرم الأقلية من تبيان التنوع الثري داخلها تجاه تلك القضايا، ويعكس للآخرين صورة وهمية من الانصهار المطلق والانكفاء التام للأقليات على موروثها.
إنني في هذه العجالة، لا أرمي لتقديم رؤية فنية لذلك المسلسل الرمضاني، فهذا يستدعي قدرات نقدية لا أدعيها -فضلا عن أنني لم أشاهده حتى الآن!- ولكني أعبر هنا عن ترحيبي الشخصي بتناول علني للأمور التي جرى العرف على عدم التطرق لها بدعوى الخصوصية، فالمجتمع الصحي هو ذاك المبني على أسس واضحة من الشفافية والمكاشفة، مما يؤدي إلى زرع جو من الثقة يمكن من تعزيز الهوية الوطنية، بعيدا عن ال"هويات الجزئية" .. وعقلياتها!